لا شك أن الحلم هو تلك النافذة الرخامية البيضاء المزخرفة بماء الذهب والتي تطل على عمق الروح..وتلك المرآة البلورية المجلوة التي تخفي ـ بحقيقة الأمرـ خبايا واقعنا..الحلم تاج غير مرئي يمكن لكل إنسان أن يعتمره بشرط الرغبة والطموح والإرادة القوية ..إنه متاح لكل إنسان..فالحالم يستلهم حلمه من رغباته وحاجاته الدفينة واهتماماته المقيدة بأصفاد العقل..دون إدراك منه..لكن داخل الحلم تتمظهر له بالشكل الذي يأمله ويتمناه يقينا..إنه تلك الخزانة الحديدية المزودة بأجهزة المراقبة والإنذارالأكثر تطورا على الإطلاق..إنه ببساطة العقل (اللاوعي)..وإن كانوا قديما يعتقدون أن الأحلام هي رسائل من الآلهة.
الأحلام طيور تحلق بسماء ذات حراسة عالية لأن بها تحفظ كل ذكرياتنا..كل تجاربنا الماضوية..الذكريات التي منعت من التمظهر..من التواجد واقعا..فدخلت في دائرة النسيان المفروض باسم المعتقد والعادة والسلوك..ويمكن ان نشبهه بسرداب تحت أرضي حفظت فيه كل الذكريات ..كل العادات..كل السلوكيات..بل إنه بمثابة مكتبة دقيقة الحفظ والترتيب حسب نمط برمجي بدءا من الولادة..هذا اللاوعي هو المسؤول عن تشكل الأحلام وبالتالي المسؤول عن إرسالها إلى وعينا على شكل تنبيهات وتحذيرات وكأنها قادمة من عالم غيبي..إنها عبارة عن رسائل مشفرة نبذل جهدا جهيدا في محاولة تفسيرها أو تأويلها..إن عقل الإنسان الحالم هو بمثابة أرض لمعارك طاحنة بين الوعي واللاوعي..وهي مستمرة ومكررة آلاف المرات إنها حرب لا تهدأ ولاتفتر..فاللاوعي هو جزء من العقل القائم بذاته يفكر ويبرمج لكن في خفاء وبسرية تامة..وستاره الماضي الذي يتسلل من نافذة الحلم..على شكل استعادة ذكريات ..أوقات جميلة..لحظات ممتهة..تشعرنا بالسعادة ونحن نخرجه من القبو السري..أي من الذاكرة العميقة ..التي تشكلنا وتشكل مستقبلنا..بل وتسمح لنا بتغيير أحداث هذا الماضي في إنتاج وإبداع فني كتابة ..شعر .. رسم ….وهذا يسمح لنا مع الوقت ومع التكرار ومع المحاولات دون يأس ولاملل أن نعيد صياغة الماضي بطريقتنا الإبداعية..إنني عندما أعيد صياغة الماضي أو أعيد صياغة حلم أصبح قادرا على التحكم بأحداث أحلامي ..فبفعل الكتابة والصياغة الآلية يمكن أن أصل الى لا وعيي هذا الأخير الذي يقع تحت رحمة وعيي ..فأنا من يختار موضوع الكتابة قصيدة كانت أم قصة ..أنا المتحكم بالخاتمة .. نهاية سعيدة أم نهاية مضمخة بخيبة الانتظار.
وفي قناعتي أن الإنسان عندما يطل من نافذة الحلم يصبح شاعرا.. لكنه عندما يخرج من حالة الإبداع الحالم يتحول في حينه الى إنسان في غاية البساطة والوداعة الفطرية.
إن أجمل ما في الأحلام هو عدم إعطاء قيمة للزمن ..بالأحلام يفقد الزمن المنطق..فهو لايتقدم بل يتوقف وقد يعود للخلف..بل أحيانا يتداخل ويتمازج في تركيبة غريبة.. جرعة من الماضي ..وجرعة من الحاضر.. وثالثة من المستقبل المفترض . أرى نفسي طفلا أو شيخا في نفس الحلم.. إن ساعة بالحلم قد تمثل سنة أو أكثرأو ربما أقل..والحلم هو الحيز المكاني والزماني الذي لايقبل بالمستحيل ففيه يمكن ان يحصل اللقاء بين من رحلوا وبين من هم في طريق الرحيل ..بين من ماتوا ومن خلدوا..يمكن أن يعود الوالد للحياة فيعانق أبناءه ويحضن زوجته..ويمكن أن تتحول مراسيم العزاء إلى أفراح وزغاريد..وكإنسان مهووس بالمخيال الفكري ..عندما أجنح نحو الحلم في نصوصي أشعر أني أندمج في جو غرائبي..أتحرر من سلاسل الواقع وأنعتق من قيود الرقابة الاجتماعية..فالحلم يكسبني أكثر من منفذ للخروج من أصعب الفخاخ الحياتية ..الحلم يمنحني الحرية ويجعلني أعيش بعفوية بطلاقة بحرية.. لكن عندما أترجمها نصيا تواجهني بعض الشروطات الفنية فالانفلات بالحلم ممكن لكن بالكتابة والإبداع هناك كبح تفرضه تقنية الكتابة..وفي تصوري أن الموت ليس أن نفقد الحياة بل الموت هو فقدان القدرة على الحلم..وأعترف أنني عندما أكمل كتابة نص وأحاول الخروج من الحلم اصطدم بجدار الواقع أخمشه بأظافري أعاند أقاوم..إنه من المستحيل ..أن يمتد فكري الحالم ليلامس الواقع..لأني أعجز عن محاورة ومراوغة الحقيقة لحظة إشراقة فجر الحلم..كم هو شعور جميل أن تعلم أن هناك بالعالم الواقعي أشخاصا يشربون كل صباح من نفس فنجان الحلم..فهم الأقرب إلى أنفسنا منا..
أتمنى أن تستيقظوا كل فجرعلى إشراقة رؤى حلم لذيذ..
على تفتق أزهار حلم متسامق في فضاءات متاهة الذاكرة.