منذ بداية تدوين اللغة عمدت مملكة الشعر العربي إلى تسليم المرأة مفاتيح القصيدة بل وأجلستها على عرشها الرخامي لعصور..إنها مكانة استثنائية و منصب شرفي سام..من خلاله أصبحت المرأة أنموذجا يحتدى ويصاغ على تفاصيله المتناهية الد قة..منمنمات وزخاريف مستمدة من عبق وعمق التاريخ..هي صورة أقرب للمثالية المتجدرة العميقة..وإن كانت صورة متخيلة فهي حتما مثبتة على مسجاب الواقع الذي حاول العديد من الشعراء ـ وكل بأسلوبه ومنطقه ومتخيله وتأويله وقاموسه ـ ..التمويه والمشاكسة بالوقوف خلف أقنعة مختلفة ألوانها ..الغاية منها وضع القارئ في حيرة فكرية ووجدانية و جعل النص الوجداني مراوغا.. والدخول به في غابة التوهان بدءا بتفجير اللغة ..فيستطعم القارئ المذاق العذب للألفاظ..ويستشعرسحرالمعانى وانزياحاتها..ويستمتع بلانهائية الإيحاءات..داخل قالب يعتمد على جمالية العبارة ..وعلى جودة ودقة الموسيقى الداخلية التي تنشأ من تناغم وتفاعل الكلمات داخل النص.. عبر مسار ينفذ الى منبت الحلم ..وينساب دما متجددا نقيا بشرايين الرؤى ..فينشرح القلب ..وتغمر السعادة كيانه وبنفس الوقت يترك أمام القارئ مساحات متعددة للتأويلات..والشروحات..بل يستسلم القارئ أحيانا لتلك الأحاسيس الصادقة ..ويسكر بشرابها ..فيضع خاتم رباط الود بأصبع القصيدة..فالشاعر يخطب ود القصيدة وهو يخطب ود المرأة ..على أساس ثنائية ( المرأة \ القصيدة) أو ثنائية (الواقع \ الخيال)..وبذلك فحضور المرأة حضورقوي مسيطرخاصة ..عندما يصبح الشاعر في حالة من اليباس الروحي..والخواء العاطفي.
أرى أن القصيدة أنثى تحاكي أو تمائل المرأة بأدق التفاصيل.. أعجب بالقصيدة وأحبها وأعاملها معاملة العاشق الفاقد السيطرة على مشاعره..معاملة جد خاصة ..مفعمة لطفا ونعومة وإحساسا عاليا .. أحاول أن أفرغ فيها طوفان مشاعري لأغرقها في يم الأحاسيس المتفردة الاستثنائية بصدق ونفس صوفي تام.
العالم يعج بالأكاذيب التي نتقبلها ونسعد بها ونبتهج لأنها ببساطة محكمة وتامة ..تأتينا بصورة مصنعة مفبركة خادعة في قالب حلوى مر.. وكأنها الحقيقة عينها..في حين تظل (القصيدة \ المرأة )هي الخيال المثالي..والحلم الممتع..والوهم اللذيذ..وصورة الحقيقة في عمق تجلياتها..فالقصيدة أرض والمرأة سماد يطعمها.. وماء يرويها..وقد تعددت صور المرأة فهي أساور الحمام..وهي جسر العودة ..وهي مرثية الأحلام ..وهي زهرة الياسمين..وهي محراب الذات..وهي جنون ناعم…..
إن الأنثى هي متن متجذر أصيل واقعا وخيالا..حلما ويقظة.. تفكيرا وكتابة..سهوا وتأملا..إنها حالة وجدانية..ونمط وجودي بحياتنا لايمكننا الانفصال عنه ولا الانعتاق من سلطته المستبدة على فكرنا اليقيني..وتأملاتنا في محراب ذاتنا..إنها سحر كوني كلما ابتعدنا كلما غصنا بإرادة ..وتورطنا برغبة..وخمشنا سترة الأحلام والرؤى ..سفرا في عالم المستحيل ..وحلولا في العشق الروحي.
إن (القصيدة \ المرأة) نفس بداخلنا وحولنا لايمكن العيش من غيره ..ولايمكن التخلص منه..لأنه عنوان الحياة والموت..إنها ملح القصيدة ونكهة الشعر.
أسامة الحنشي