في طفولتنا لم يكن لنا متسع من الوقت لطرح بعض الأسئلة التي لم نكن نعتقد أنها ستمثل لنا هاجسا فكريا وصداعا يوميا في المستقبل ..لأن همنا الوحيد بل الأوحد كان هواللعب.. حتى الأكل وحاجياتنا الطبيعية كثيرا ماننساها أو نفضل عليها زمنا إضافيا للمرح مع أطفال الحي..فكيف كان لنا أن نطرح أسئلة بحجم وعمق السعادة ..فهي من الأسئلة الحياتية الناضجة والمحيرة والتي تحتاج الى إعمال الفكرومد جسور البحث والتنقيب والسؤال.. كيف سنطرح سؤالا عن معنى السعادة ؟..فمثل هذ السؤال يأتي فطرة يحضرنا تلقائيا..يواجهنا ويهاجمنا السؤال على هيئة أسد ..نجد أنفسنا وكأننا بغابة كثيفة الأشجار يحاصرنا بها السؤال الأسد من كل صوب..فنكتشف على أن السعادة أمر شديد التعقيد ..وأمر ذو قيمة بل إنها القيمة ذاتها ..ولعل الباحث عن السعادة قد يفقد نفسه وكيانه ..بل إنه قد ينس أنه على قيد الحياة ..والحقيقة عندما نحوم حول أنفسنا ونحاول إيجاد حل وتفسير لما نحن عليه ـ وإن كانت ظروف الحياة تعمل على إحباطنا وتحطيمنا واقتلاع نبتة الأمل من قلوبنا ..تلك النبتة اليانعة اليافعة التي نرويها بعصارة آلامنا وصبرنا..ـ فهناك طرق تمكننا من تذوق معنى الحياة ..وبالتالي عيش السعادة نشوة ومتعة وإحساسا لا مثيل له ..فالسعادة مثلها كمثل فراشة بكل الألوان تقع عيوننا عليها فنعشقها ..نرغب غريزيا أن نمسك بها لتصبح ملكا لنا..فنركض وراءها..نلهث ..نتعب .. نتصبب عرقا.. تخور قوانا.. وبالأخير نقعد أرضا مستسلمين لقدرنا..نسترخي ..تأخذنا غفوة عين..فتأتي الفراشة طواعية برفق الأمومة ..وحنانها وعطفها وتخوفاتها وتوجساتها.. وتحط بلطف ونعومة على أيدينا..تداهمنا كحلم ماقبل الفجر..تجتاحنا كنسيم الغروب..وتهمس لنا كونوا سعداء.
والسعادة لاتقاس أبدا وحسب اعتقادي واقتناعي بمدى مايملك الشخص ولا بمدى مايفعل ولاحتى بطبيعة وقيمة الوضع الذي هو عليه من غنى ..أوقوة أو عزة وجاه ونفوذ.. تقاس بحجم الحب الذي نستمده ممن حولنا وبمدى قدرتنا على منح ونشركتل هوائية دافئة محملة بالمحبة والمودة ..والعواطف الإيجابية.. والأحاسيس الصادقة السامية نحو الآخر..وبهذا الفكر فالسعادة لا أحد قادر على جلبها لنا وإنما الإنسان الوحيد القادر على جعلنا نستمتع بعوالم السعادة هو نحن ولا أحد غيرنا البتة.. فالإنسان السليم المتزن يرى سعادته في سعادة من حوله..لذلك لابد أن تكون لنا القدرة على التأمل العقلي والفكري ..فعن طريقه نبلغ كمال الفضائل الأخلاقية..ومن ثمة نمسك بفراشة السعادة..فالذات السعيدة هي الذات المحبة لنفسها المتصالحة مع كيانها ..والمحبة لكل البشر..فالحب هو الجسربينا وبين كل شيء.. فسعادة الذات المحبة تنعكس على كل من هم حولنا..يقول جلال الدين الرومي:
إن رأيت هذا الرأس مليءٌ بالسعادة ومتخم بالفرح كل ليلة وكل نهار اعلم أن أصابع الحب قد لامسته. –
30\09\2022