حديث مستقطع من زمن الحنين..
وهمس ناعم بمسمع الحلم
بين الدكتور عزيز بوستا وأسامة الحنشي
كلما سحب الزمن من تحتنا كراسيه الوثيرة الناعمة ..المتأرجحة بين حاضرولى ..وماض خلا….إلا وتدفعنا الذكرى خلف الذكرى ..لننقب بدهاليز الذاكرة العميقة عن المزيد من المشاهد التي تمنحنا متعة الوقوف على عتبة الحلم..عتبة الأمل..عتبة استعادة عبق الأحداث من جوف الحكايا القديمة .. وإن كنا في واقع الحال نتحصر ونتألم..فالحياة وقفات مسترسلة نقف بكل محطاتها .. تغمرنا مشاعر متناقضة..نترك بها بعضا منا بارادة وبغير إرادة.. لأنه المشوار الحتمي..المسارالمقدرلنا سلفا..نمضي قدما تاركين وراءنا كما هائلا من الذكريات التي لن يكتب لنا أبدا أن نعود إليها ..إلا فكرا بحالة تخديرمشبع بمفاهيم تجريدية..تحييه وتوقظه مشاعرنا فطرة وتكوينا..ببساطة لأن الزمن في سيرورته الأبدية لايعرف التراخي ولا التراجع ولا العودة للوراء ..ولا حتى التوقف لثانية قصد استعادة الأنفاس.
وهذا المساء وعلى غير العادة ..وكناية في الزمن..وثورة على أحكامه المستبدة كنت على موعد مع صديقي الدكتور عزيز بوستا .. كانت الغاية أن نوقف الزمن ذهنيا ونسترد ماسلبه منا من أحداث أصبحت في حكم الذكرى في حكم التاريخ..أن نعيش حالة الحنين الذي وصفه محمود درويش بأنه الفصل الأجمل بالحكاية..وحكايانا أنا والدكتور عزيز كانت ذات أبعاد أخوية سامية..وذات ملامح فكرية ثقافية صرفة..عملتنا المتداولة سُكت بدارالأدب والخلق والاحترام.
وفي هذه الجلسة المباركة..وعلى وقع ذبيب نشوة كأس شاي معشب..وهمس فنجان قهوة بنكهة الكارميل.. كان لابد أن نربط الماضي بالحاضر ..بغية رسم ملامح مستقبل أفضل ..فكان من الواجب أدبا وأخلاقا ..واعترافا بالجميل أن أجدد له شكري على تقديمه لديواني ( مرثية الأحلام)الذي صدرسنة 2021
والذي قال عنه في ديوان مرثية الأحلام ، الشاعر يحلم بوردية طوباوية ويعبر عن أحلامه باصرار وجدية واقعية ،وكأنه يخلق لنا عالما بجغرافية جديدة وبتاريخ جديد ،في حزمة قصائد بحزن وحسرة رقيقة ،وبغنائية خافتة الصوت الى درجة الهمس مما يضفي عليها طبيعة الرؤى والأحلام وهي تتميز أحيانا بطريقة تعبيرية مباشرة تجعلنا نحس وكأنه يخاطبنا واقعا. وجاذبية قصائده تكمن في تصوري في هذا الخيط الدقيق الرابط ـ بتقنية عالية واحساس أعلى بين الحلم والواقع.
وهوبذلك يقوم باقتفاء خطوات الحياة في تفاصيلها الظاهرة والخفية؛ باحثا عن معانيها الملتبسة، المشرقة والمعتمة… فيجعل أرواحنا تتراقص على أنغام صوره الشعرية الأخاذة، لتوصلنا لمشارف الجنة أحيانا، ولتهوي بنا إلى أعماق الجحيم أحيانا أخرى… وبين ثنايا هذه الشطحات، يطرح الشاعر أسامة الحنشي أسئلة وجودية حارقة من صميم الشرط الإنساني ).
لقد كان الدكتور عزيزصاحب نظرة ثاقبة ورؤية تأملية موفقة لان الديوان كان موالا حزينا على أحلام لم تتحقق وظلت تحلق روحا في السماء الأولى ترفض الانصراف..فقد كنت دائما ..
أعتبر أن الحلم والشعر صنوان كل منهما ينطق بحال ولسان الآخر..بل الشعر غالبا ما يصبح تصويرا فتوغرافيا لحلم نرغب عيش تفاصيله..لكن حاجز الواقع يفرض علينا تأشيرة المرور.
فالشعر من الناس ..وإليهم.. والحلم من الناس ..وإليهم ..ولايمكن أن يكون غيرذلك.
عندما نومن بأحلامنا ..ونكافح ونقاتل ..ونفاوض ونضحي من أجل خلطها حد الانصهار بواقعنا ..تكون لغة التعبير عنها نافذة كالنسمة لأعماقنا ..كالنغمة تزين آذاننا بأقراط ملوكية.. فالجميل بالحلم أنه يظل حلما..ويظل حالة وجدانية قابلة للرثاء.
وبين زمن الحنين وزمن الحلم..وبين نشوة الشاي وهمس القهوة..وجدنا أنفسنا محلقين بعالم الفضيلة والصداقة الحقة.
طنجة (مقهى كالفورنيا)
30\8\2022
أسامة الحنشي.