Uncategorized

مناجاة لروح القصيدة

إن القصيدة الشعرية ليست سجلا عدليا ..ولا محضر اتهام بمركز الشرطة ..ولا إدانة علنية أمام جمهور من المهتمين والمتتبعين للشأن الثقافي..وإنما هي رصد لحالة إنسانية على لسان شاعر..نقل مباشرلحالات اجتماعية على شاشات المخيلة..عرض صور مسترسلة لمواقف استثنائية ..عرض الواقع وهو يتحرش بالخيال..وعرض الممكن وهويتغزل بالمستحيل ..ومن ثمة عرض حالات نفسية داخل إطارات شعرية ..تارة بدهان من ذهب ..وتارة بدهان من فضة.. وتارة بدهان من نحاس ..وتارة أخيرة بلا دهان ولا محسنات بديعة..صور عارية من الزيف..والشاعر بذلك ليس مسؤولا عن مجمل هذه الصور..لأنه ليس مسؤولا عن أخطاء مجتمع بكامله..كما أنه ليس مسؤولا عن أحزانه وأفراحه.. بقدر ماهو مسؤول عن مواساته ولملمة جراحه..وبلسمة آلامه..وترجمة ذلك داخل قالب فني إبداعي هو القصيدة.

أحيانا في قصائدي استعمل تقنية الأضواء والكشافات كما هو الشأن في لوحاتي وهي تقنية مستمدة من تشبعي بالفن التشكيلي الغاية منها ..تسليط الأضواء على المخفي.. إحداث الصدمة البصرية..والدهشة الآنية..لإشراك الآخر في القضايا الحياتية المعقدة ..لفتح عوالم السعادة أمام أشخاص تألموا ..حزنوا..الغاية هي أن نحضن بعضنا البعض بالأول والأخير..أن نروح عن أنفسنا ..ونروج لفعل السعادة..أن نفرج عن أحزاننا العميقة ونحول القفص إلى مراتع ذهبية وربى خضراء..أن نكتشف متعة الحياة..من خلال الآلام الصادرة من عمق الأصوات المتوجعة للقصيدة التي نفصلها نخيطها ..فتلبسنا.

يقول فرديكو كارسيا لوركا: (آه يالها من أحزان عميقة لايمكن تجنبها..تلك الأصوات المتوجعة التي يغنيها الشعراء.).

على الشاعر اليوم أن يدخل البيوت صوتا وصورة..حضورا فكريا وحضورا روحيا.

على الشاعر ان يظل في خضم هذه المتغيرات كنسمة غابوية عذبة طرية.. لكنها تتحول إلى مخلوق خرافي وقت اللزوم..وأنا أميل إلى الخوض في هذه المواضيع المتداخلة المنقوعة في سراديب السرية..أميل إلى أسطرة المرأة بالتصوير الذهني والتخييل الشعري العالي ..والرؤى المستحضرة من عوالم الحلم..من غابات الجمال..ومن طقوس العبادة الأزلية.. وفي اعتقادي أن المرأة القصيدة وجمالها يوازي ويطابق أنوثة وجمال المرأة بواقعنا..وبالتالي فالشاعر الذي لايكتب كما يحس..كما يرى ..كما يرغب ..قد يصاب بيباس روحي..وجفاف عاطفي ..على الشاعر أن يزف موهبته للشعر لترتاح روحه وترتاح نفسيته ويرتاح جسده و بالتالي يريح متابعيه ..وبدون كتابة يصبح الشاعر سفينة أميرية خارج بحور الشعر ..مهملة بمرفئ النسيان..تتقاذف أشلاءها الأمواج العاتية.. والأمواج الواهنة على السواء.

وأعترف أن قصائدي تخاطب بلغة سهلة بسيطة سلسة المتلقي..لكن بثلاث نبرات..فهناك القصيدة التي تهمس فتحول مشاعرنا لعبير ياسمين..والقصيدة التي تصرخ فتحول أحاسيسنا لطوفان جارف ..والقصيدة التي تفتقد للوزن والتوازن.. فتكشف عن تلك التناقضات التي تتزين بها النفس الانسانية كسلاسل ذهبية ليس القصد منها التعذيب والعقاب وانما إثارة الدهشة ..وإحداث الصدام والخصام والفصام للشاعر مع ذاته أولا ومع الآخرثانيا..لتبرز بعد ذلك حالة التصالح والتواد لاحقا..لأن القصيدة تخاطب منطقة حساسة مظلمة بأرجاء القلب..لايعلمها إلا الله والذات الدفينة.

أحلامي تتسع لتستوعب السماء..ولغتي تتسع لكل طموحات الفكروالعاطفة والوجدان والتأملات النورانية..لتشمل اعترافي و شهادتي أمام قاضي الحياة وبيدي أساور الحمام….ولتشمل الربط بين طرفي نقيض جسر لامرئي هو جسرالعودة ..ولتشمل تراتيل مرثية الأحلام..ولتشمل الاعتراف الأخير بزهرة الياسمين.

كشاعر وكفنان تشكيلي أتمثل صور الحالا ت والمواضيع بقوة المخيلة..وألون الحلم بأصباغ من ذاكرة الطبيعة.. وأتفق مع الشاعر والأديب اللبناني فارس فليكس عندما قال :(بأن الأدب دولة.. الفلاسفة ملوكها.. والشعراء أمراؤها..وللفكر سلطان لاقيد لصولجانه ولا لون لرايته).

.كانت هذه مناجاة للقصيدة وحوار داخلي الغاية منه التعرف على الذات والبوح بأحلامي في هذه الحياة..والاعتراف بالإرث الفكري الذي أطمح بتركه..ووضع اليد على الأخطاء التي مزقت ثوب الصواب محاولا رتقها..وأخيرا مناجاة القصيدة هي انعكاس لمناجاة مبدعها.

26\09\2022

Peut être une image de 1 personne et position debout

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *